كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وله من حديث حماد بن شعيب وزائدة وإسرائيل، كلهم عن عاصم عن زر ابن حبيش عن عبد الله قال: «إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل الله، وإن محمدا سيد ولد آدم يوم القيامة، ثم قرأ: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا} 17: 79».
ورواه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: «إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل الله، وإن نبي الله أكرم الخلائق على الله يوم القيامة، ثم قرأ: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا} 17: 79».
وله من حديث كثير بن زيد عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه» وفي رواية سعيد بن رافع عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنا سيد الخلائق يوم القيامة في اثنى عشر نبيا، منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب».
ورواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدريّ في الجامع الصحيح، حديث رقم [3148]، وقال: حديث حسن صحيح، سنن الترمذي: 5/ 288، كتاب [48] باب [18]، ورواه الإمام أحمد في المسند من حديث ابن عباس في الشفاعة، ورواه ابن ماجة في السنن:
2/ 1440، كتاب الزهد، باب [37] ذكر الشفاعة، حديث رقم [4308]، والترمذي أيضا في المناقب، حديث [3615]، قال أبو عيسى: وفي الحديث قصة، وهذا حديث حسن صحيح، وقد روي بهذا الإسناد عن أبي نضرة، عن ابن عباس.
وفي رواية بديل بن المحبّر قال: حدثنا عبد السلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول شخص يدخل عليّ الجنة: فاطمة بنت محمد، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل ورواه يعقوب الحضرميّ عن عبد السلام عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأول من تنشق الأرض عن هامته ولا فخر، وأنا أول مشفع ولا فخر، لواء الحمد بيدي يوم القيامة، حرم الله الجنة على كل آدمي يدخلها قبلي» وله من حديث زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة، فإذا موسى متعلق بالعرش فلا أدري أكذاك كان أو بعد النفخة؟»، ومن حديث شعيب عن الزهري قال: حدثني أبو سلمة وسعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق».
حديث رقم [6517]: حدثني عبد العزيز بن عبد الله قال: حدّثني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن الأعرج أنهما حدّثاه أن أبا هريرة قال: «استبّ رجلان، رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والّذي اصطفى محمدا على العالمين، فقال اليهودي: والّذي اصطفى موسى على العالمين. قال: فغضب المسلم عند ذلك، فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهوديّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا تخيّروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله عزّ وجلّ»، وحديث رقم [6518]: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «يصعق الناس حين يصعقون، فأكون أول من قام، فإذا موسى آخذ بالعرش، فما أدري أكان فيمن صعق». رواه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلّم. قوله: باب نفخ الصور تكرر ذكره في القرآن الكريم، في الأنعام، والمؤمنين، والنمل، والزمر، وق، وغيرها، وهو بضم المهملة وسكون الواو، وثبت كذلك في القراءات المشهورة والأحاديث، وذكر عن الحسن البصري أنه قرأها بفتح الواو، جمع صورة، وتأوله على أن المراد النفخ في الأجساد لتعاد إليها الأرواح.
وقال أبو عبيدة في المجاز: يقال: الصور- يعني بسكون الواو- جمع صورة، كما يقال: سور المدينة جمع سورة، قال الشاعر:
فلما أتى خبر الزبير ** تواضعت سور المدينة

فيستوي معنى القراءتين.
وحكى مثله الطبري عن قوم وزاد: كالصوف جمع صوفة، قالوا: والمراد النفخ في الصّور وهي الأجساد لتعاد فيها الأرواح، كما قال تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ من رُوحِي} 15: 29، وتعقب قوله: جمع، بأن هذه أسماء أجناس لا جموع، وبالغ النحاس وغيره في الردّ على التأويل، وقال الأزهري: إنه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة، من طريق وهب بن منبه من قوله قال: خلق الله الصور من لؤلؤ بيضاء في صفاء الزجاجة، ثم قال للعرش:
خذ الصور فتعلق به، ثم قال: كن، وكان إسرافيل، فأمره أن يأخذ الصور، فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة، ونفس منفوسة، فذكر الحديث وفيه: «ثم تجمع الأرواح كلها في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ فيه، فتدخل كل روح في جسدها»، فعلى هذا فالنفخ يقع في الصور أولا، ليصل النفخ بالروح إلى الصور، وهي الأجساد، فإضافة النفخ إلى الصور الّذي هو القرن، حقيقة، وإلى الصّور التي هي الأجساد، مجاز.
قوله: قال مجاهد: الصور كهيئة البوق، وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال في قوله تعالى: {وَنُفِخَ في الصُّورِ} 18: 99، قال كهيئة البوق، وقال صاحب الصحاح: البوق الّذي يزمر به، وهو معروف، ويقال للباطل، يعني يطلق ذلك عليه مجازا، لكونه من جنس الباطل.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: لا يلزم من كون الشيء مذموما أن لا يشبه به وفي رواية محمد بن يوسف الفرياني قال: حدثنا سفيان عن عمر بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق».
قوله: قال ابن عباس: الناقور الصور، وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِذا نُقِرَ في النَّاقُورِ} 74: 8 قال: الصور، ومعنى نقر نفخ، قاله في الأساس، وأخرج البيهقي من طريق أخرى عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِذا نُقِرَ في النَّاقُورِ} 74: 8، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن»؟ وللحاكم بسند حسن، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رفعه «إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان درّيّان». قوله: الراجفة النفخة الأولى، والرادفة النفخة الثانية، هو من تفسير ابن عباس، وصله الطبري وابن أبي حاتم بالسند المذكور، وقد تقدم بيانه في تفسير سورة النازعات، فليراجع هناك.
وإذا تقرر أن النفخة للخروج من القبور فكيف تسمعها الموتى؟ والجواب: يجوز أن تكون نفخة البعث تطول إلى أن يتكامل إحياؤهم شيئا بعد شيء، وتقدم الإلمام في قصة موسى مما ورد في تعيين من استثنى الله تعالى في قوله تعالى: {فَصَعِقَ من في السَّماواتِ وَمن في الْأَرْضِ إِلَّا من شاءَ الله} 39: 68، وحاصل ما جاء في ذلك عشرة أقوال ذكرهم الحافظ ابن حجر في الفتح: 11/ 451 باب [43] من كتاب الرقاق فليراجع هناك.
وفي رواية: «فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش» وذكر نحوه.
رواه البخاري في الخصومات، باب ما يذكر من الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي، وفي الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ} 7: 142، وفي تفسير سورة الأعراف، باب {وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} 7: 143، وفي الديات، باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب، وفي التوحيد، باب {وكان عرشه على الماء وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 9: 129، ورواه مسلم في الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلّم.
وله من حديث يحيى الحماقي وحبان بن موسى قالا: حدثنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا حبان عن يحيى بن سعيد التيمي قال: حدثني أبو زرعة عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلّم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة». رواه مسلم، وفي رواية عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: «وضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم قصعة من ثريد فتناول الذراع- وكانت أحب الشاة إليه- فنهس نهسة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة» ولأبي نعيم من حديث يحيى الحماني، حدثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي كعب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة، كنت إمام الناس يوم القيامة وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ولا فخر» وله من حديث عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد بيدي، وكنت إمام المرسلين وصاحب شفاعتهم».
وله من حديث أبي عوانة عن أبي بشير، عن سعيد عن جابر عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت عند النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: أنا سيد ولد آدم»، وله من حديث أحمد بن أبي ظبية عن أبيه عن عبد الله بن جابر عن عطاء عن أم كرز أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «أنا سيد المؤمنين إذا بعثوا، وسابقهم إذا وردوا، ومبشرهم إذا أبلسوا، وإمامهم إذا سجدوا، وأقربهم مجلسا من الرب تعالى إذا اجتمعوا، أقوم فأتكلم فيصدّقني، وأشفع فيشفّعني، وأسأل فيعطيني»، وله من حديث الحرث بن أسامة قال: حدثنا عبد العزيز بن أبان، حدثنا إسرائيل عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول: تصير الأمم يوم القيامة تجيء كل أمة نبيها فيرقاهم على كوم فيقول: يا فلان اشفع، فيردها بعضهم إلى بعض حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهو المقام المحمود الّذي قال الله تعالى عنه: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا} 17: 79.
والأجود أن هذه الترجية والإطماع بمعنى الوجود من الله تعالى، وهو متعلق من حيث المعنى بقوله: {فَتَهَجَّدْ} 17: 79، وعسى هنا تامة، وفاعلها {أَنْ يَبْعَثَكَ} 17: 79، و{ربك} فاعل {يبعثك}، و{مقاما} الظاهر أنه معمول ليبعثك، هو مصدر من غير لفظ الفعل، لأن {يبعثك} بمعنى يقيمك، تقول: أقيم من قبره، وبعث من قبره، وقال ابن عطية: منصوب على الظرف أي في مقام محمود، وقيل: منصوب على الحال، أي ذا مقام محمود، وقيل: هو مصدر لفعل محذوف، التقدير فتقوم مقاما، ولا يجوز أن تكون عسى هنا ناقصة، وتقدم الخبر على الاسم فيكون {ربك} مرفوعا اسم {عسى} و{أَنْ يَبْعَثَكَ} 17: 79 الخبر في موضع نصب بها، إلا في هذا الإعراب الأخير.
وفي تفسير المقام المحمود أقوال:
أحدها: أنه في أمر الشفاعة التي يتدافعها الأنبياء حتى تنتهي إليه صلى الله عليه وسلّم، والحديث في الصحيح، وهي عدة من الله تعالى له صلى الله عليه وسلّم، وفي هذه الشفاعة يحمده أهل الجمع كلهم، في دعائه المشهور: «وابعثه المقام المحمود الّذي وعدته» واتفقوا على أن المراد منه الشفاعة.
الثاني: أنه في أمر شفاعته لأمّته في إخراجه لمذنبهم من النار، وهذه الشفاعة لا تكون إلا بعد الحساب ودخول الجنة ودخول النار، وهذه لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء، وقد روي حديث الشفاعة وفي آخره: «حتى لا يبقى في النار إلا من حبسه القرآن»، أي وجب عليه الخلود.
قال: ثم تلا هذه الآية {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا} 17: 79، وعن أبي هريرة أنه عليه السلام قال: «المقام المحمود هو المقام الّذي أشفع فيه لأمتي» فظاهر هذا الكلام تخصيص شفاعته لأمته، وقد تأوله من حمل ذلك على الشفاعة العظمى، التي يحمده بسببها الخلق كلهم، على أن المراد لأمته وغيرهم، أو يقال: إن كل مقام منها محمود.
الثالث: عن حذيفة: يجمع الله الناس في صعيد فلا تتكلم نفس، فأول مدعوّ محمد صلى الله عليه وسلّم، فيقول:
لبيك وسعديك والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، لا منجأ ولا ملجأ إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت. قال: فهذا قوله تعالى: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا} 17: 79.
الرابع: قال الزمخشريّ: معنى المقام المحمود المقام الّذي يحمده القائم فيه، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات. اهـ.
وهو قول حسن ولذلك نكّر {مَقامًا مَحْمُودًا} 17: 79، فلم يتناول مقاما مخصوصا، بل كل مقام محمود صدق عليه إطلاق اللفظ.
الخامس: ما قالت فرقة- منها مجاهد- وقد روي أيضا عن ابن عباس أن المقام المحمود هو أن يجلسه الله تعالى معه على العرش، وذكر الطبري في ذلك حديثا، وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا. قال ابن عطية:
يعني من أنكر جوازه على تأويله، وقال أبو عمر ومجاهد: إن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم هذا أحدهما، والثاني تأويل {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} [22: القيامة]، قال تنتظر الثواب ليس من النظر، وقد يؤوّل قوله معه على رفع محله وتشريفه على خلقه كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} 7: 206، وقوله: {ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا} [11: التحريم]، وإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [69: العنكبوت]، كل ذلك كناية عن المكانة لا عن المكان.
وقال الواحدي: هذا القول مروي عن ابن عباس وهو قول رذل، موحش، فظيع، لا يصح مثله عن ابن عباس، ونصّ الكتاب ينادي بفساده من وجوه:
ورواه البخاري من حديث أبي الأحوص عن آدم، وله من حديث أبي نعيم قال: حدثنا داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا} 17: 79 قال: الشفاعة.
ورواه إدريس الأودي عن أبيه مثله، قال الحافظ أبو نعيم: أحمد، وفيه عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وكعب بن مالك وجابر وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو بن العاص في المقام المحمود.
ورواه الزهري عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن رجل من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلّم في المقام المحمود، واعلم أن كل من خبرك عن نفسه بأمر يحتاج إلى علمه لو إخباره ما عرفته، فليس يقبح ذكره وإن اتصل بمدحه، ولهذه العلة مدحت الأنبياء عليهم السلام أنفسها مع تواضعها.
وخرج الحاكم من حديث إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا يزيد بن أبي حكيم، حدثنا الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس رضي الله عنهما:
إن الله فضل محمدا على أهل السماء وفضله على أهل الأرض قالوا: يا ابن عباس.
الأول: أن البعث ضد الإجلاس، بعث التارك، وبعث الله الميت أقامه من قبره، فتفسير البعث بالإجلاس تفسير الضد بالضد.
الثاني: لو كان جالسا تعالى على العرش لكان محدودا متناهيا، فكان يكون محدثا.
الثالث: أنه قال: مقاما ولم يقل مقعدا محمودا، والمقام موضع القيام لا موضع القعود.
الرابع: أن الحمقى والجهال يقولون: إن أهل الجنة يجلسون كلهم معه تعالى ويسألهم عن أحوالهم الدنيوية، فلا مزّية له بإجلاسه معه! الخامس: إذا قيل: بعث السلطان فلانا، لا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه. البحر المحيط:
فبم. فضله على أهل السماء؟ قال: قال الله تعالى: {وَمن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ من دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} 21: 29، وقال لمحمد: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} 48: 1- 2. الآية، قالوا: فبم فضله الله على أهل الأرض؟ قال: إن الله تعالى قال: {وَما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ} 14: 4. الآية، وقال لمحمد: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} 34: 28، فأرسله إلى الجن والإنس. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن الحكم بن أبان قد احتج به جماعة من أئمة الإسلام أيضا ولم يخرجه الشيخان. اهـ.
والحكم بن أبان العدني أبو عيسى، روي عن عكرمة، وطاووس، وشهر بن حوشب، وإدريس ابن سنان بن بنت وهب، وغيرهم، وعنه ابنه إبراهيم، وابن عيينة، ومعمر، ومات قبله، وابن جريج- وهو من أقرانه- ومعتمر بن سليمان، وابن علية، ويزيد بن أبي حكيم، وموسى بن عبد العزيز القنباري، وغيرهم.
قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو زرعة: صالح، وقال العجليّ: ثقة صاحب سنّة، كان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله تعالى حتى يصبح، وقال سفيان بن عيينة:
أتيت عدن فلم أر مثل الحكم بن أبان، وقال ابن عيينة: قدم علينا يوسف بن يعقوب قاصّ كان لأهل اليمن، وكان يذكر منه صلاح، فسألته عن الحكم بن أبان، قال: ذاك سيد أهل اليمن. قال أحمد: مات سنة [154] وهو ابن [84] سنة. ترجمته في: تهذيب التهذيب: 2/ 364، ترجمة رقم [736]، الثقات: 6/ 185، التاريخ الكبير: 2/ 336، ترجمة رقم [662].